استعادة السيادة الوطنية وبناء الدولة الجزائرية
لم تكن كلمة اتصال أو تفاوض ضمن أدبيات السياسة الفرنسية تجاه الجزائر فكثرت الشبهات حول التنقيص من قيمة الثورة الجزائرية واعتبرت الحدث عارضا يمكن تجاوزه لكن ما إن فتأت الأحداث حتى أصبح على فرنسا لزاما أن تركع أمام إرادة الشعب الجزائري وقوة الثورة التي احتضنها في التفاوض مع زعماء الثورة.
أ-أسباب قبول فرنسا للتفاوض:
-شمولية وقوة الثورة بعد مؤتمر الصومام.
-الخسائر المادية و البشرية لفرنسا في الجزائر و تزايد نفقات الحرب (100 مليار فرنك فرنسي قديم).
-عجز الدبلوماسية الفرنسية في كسب التأييد الدولي تجاه موقفها في الجزائر.
-تذمر الشعب الفرنسي على الحرب في الجزائر وانعكاساتها عليهم.
-قناعة الساسة الفرنسيين في قبول التفاوض و على رأسهم ديغول.
ب-مراحل المفاوضات:
*مرحلة جس النبض( الاتصالات السرية): حاولت فرنسا من خلالها معرفة أهداف الثورة ومدى حنكة قادتها وماهي أهم مطالبهم وحتى يتسنى لها الوقت في القضاء على الثورة وتمثلت هذه الاتصالات في :
-لقاء محمد خيضر مع نائب فرنسي بيغارا في 12 أفريل 1956م الذي فكرة ايقاف الاقتتال وإجراء الانتخابات ثم المفاوضات وطرح محمد خيضر اتحاد فيدرالي مع تونس و المغرب والسماح للوفد الجزائري بالدخول و الخروج لكن فشلت المفاوضات .
-اتصال ممثلين فرنسيين ( بيركومين) مع محمد يزيد وأحمد فرنسيس في 21 جويلية 1956م ببلغراد لكن فشلت المفاوضات من طرف الوفد الجزائري بعد اختطاف الطائرة.
*مرحلة المفاوضات الرسمية ( العلنية): وتتمثل في:
أ-محادثات مولان: في 25-29/06/1960م بين أحمد بومنجل ومحمد الصديق بن يحي مع روجي موريس لكنها فشلت بسبب تعنت الموقف الفرنسي وتجاهله للمطالب الجزائرية.
ب-لقاء لوسارن بسويسرا: في 20 فيفري 1961م بعد مظاهرات 11/12/1960م أظهرت لفرنسا وللرأي العام العالمي أن fln هي المثل الشرعي للشعب الجزائري فرضيت بمبدأ التفاوض الجدي لكن هذه المفاوضات فشلت بسبب تعنت الموقف الفرنسي في فصل الصحراء عن الجزائر ولذا كانت المواقف متباعدة بين الطرفين.
ج-مفاوضات ايفيان الأولى: 20 ماي -13 جوان 1961م: بعد حركة التمرد ضد ديغول في 22 أفريل 1961م أدرك ديغول ضرورة حل القضية الجزائرية لذلك التقى الوفدان في ايفيان الفرنسية وبسبب الشروط الفرنسية في محاولة فصل الصحراء و الحصول على امتيازات للمواطنين مع إشراك أطراف أخرى في التفاوض .فشلت المفاوضات وافترق الوفدان في 13 جوان 1961م.
لم تتوقف الاتصالات بين الطرفين إلى أن تجسدت في لقاء بال بسويسرا من أكتوبر إلى نوفمبر 1961م وفيها تم دراسة العديد من القضايا مثل سير المرحلة الانتقالية من الإدارة الفرنسية إلى الجزائرية وكذا التواجد العسكري في المرسى الكبير ومسألة الجنسية للمعمرين.
د- اتفاقيات ايفيان الثانية ( الاستقلال): في 07-18-مارس 1962م تم إدخال جملة من التعديلات على الاتفاقات السابقة بصورة دقيقة وخاصة من الوفد الجزائري وقد انتهت بالتوقيع على وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962 (عيد النصر) عند منتصف النهار.
ج-ردود فعل المعمرين:كان المعمرون ضد هذه المفاوضات و الاتفاقيات لذلك قاموا بتأسيس المنظمة السرية L.OA.S في أفريل 1961م وقاموا بعمليات إرهابية راح ضحيتها الكثير من الجزائريين.
أ-الاستفتاء وانتقال السلطة إلى الجزائر:
بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار في 19 مارس عقد المجلس الوطني اجتماعا في طرابلس في 25جوان 1962 ليصادق على ميثاق طرابلس وتم تحديد 01 جويلية يوم الاستفتاء والذي كان لصالح استقلال الجزائر بنسبة 99 بالمائة وفي 03جويلية أعلن ديغول عن استقلال الجزائر رسميا وفي 05 جويلية أعلنت الجبهة استقلال الجزائر تزامنا مع تاريخ احتلالها ثم تكونت جمعية تأسيسية برئاسة فرحات عباس في سبتمبر 1962والتي أعلنت في 26/09 عن قيام الجمهورية الجزائرية مع مراعاة ما جاء في ميثاق طرابلس.
ب-اجتماعيا:
-مليون ونصف مليون شهيد ومئات الآلاف من اللاجئين و المهجرين.- انتشار الفقر و البطالة و الأمية و الجهل.- تفشي الأمراض و الأوبئة .- الانفجار الديمغرافي المتزايد الذي لايتلاءم مع الاقتصاد الوطني.
ج-اقتصاديا:
- هشاشة الاقتصاد الوطني .- ضعف الهياكل القاعدية للبلاد. – ندرة الإطارات وفقر في رؤوس الموال بعد تهريبها من طرف المعمرين. – تفاقم أزمة الديون.- تبعية الاقتصاد الشبه كلي إلى فرنسا.
د-سياسيا:
-صعوبة تولي تسيير شؤون البلاد من طرف الجزائريين في هذه الظروف. –نقص الإطارات بسبب سياسة التجهيل.- عدم وجود إستراتيجية لتسيير شؤون الدولة بعد الثورة.- مشكلة التعامل مع بعض ماجاء في اتفاقيات ايفيان.
لقد كانت مرجعيات بناء الدولة الجزائرية بدءا من بيان أول نوفمبر إلى ميثاق الصومام 20 أوت 1956م إلى ميثاق طرابلس 27 جوان 1962م إذ يعد هذا الأخير بمثابة الديباجة التي وضعت الأسس الكبرى في بناء الدولة الجزائرية الحديثة من خلال:
أ- الاختيارات السياسية:
-إقامة دولة جزائرية مستقلة استقلالا تاما وكاملا تمارس فيها السياسة بكل مسؤولية وضمن المبادئ الديمقراطية.
-اعتماد النظام الاشتراكي وسيلة في تحقيق سياسة الدولة.
-رفض كل أشكال النزعة الارتجالية و الغموض ( الحكم المؤسساتي).
-السعي إلى تحقيق وحدة المغرب العربي الكبير.
-دعم حركات التحرر العالمية .
- الإيمان بسياسة الحياد الايجابي وبخط حركة عدم الانحياز و النضال من أجل السلم و التعاون الدوليين.
ب- الاختيارات الاقتصادية:
-محاربة الاحتكارات الإقطاعية
-انتهاج سياسة النهج الاشتراكي الاقتصادي كأسلوب للتنمية.
-إتباع سياسة التخطيط ومراجعة العلاقات الاقتصادية مع الخارج.
ج- الاختيارات الاجتماعية و الثقافية:
-رفع مستوى المعيشة. – محو الأمية. – إحداث ثورة اجتماعية في الريف. – توفير التعليم وتلقين التاريخ الوطني للأجيال. – ترقية اللغة العربية وإحياء التراث الوطني وتجاوز التغريب الثقافي.- تأميم الطب وضمان مجانية العلاج ومحاربة الأمراض و الأوبئة.- الاهتمام بقضايا السكان.
لقد كان على الجزائر المستقلة أن تتبع جملة من الخيارات و المهام من أجل النهوض بها إلى الأفضل من خلال:
-أ-سياسيا:
-إتباع النظام الاشتراكي العقائدي. – اختيار حزب جبهة التحرير الوطني كنظام الحزب الواحد.
ب-اقتصاديا:
* الزراعة: -تطوير الزراعة وتحريرها وإدخال وسائل الإنتاج الحديثة ثم مباشرة الإصلاح الزراعي 1963م. –تطبيق سياسة التسيير الذاتي للمؤسسات الزراعية 1964م. –إتباع سياسة الثورة الزراعية 1972م( الأرض لمن يخدمها) وتحسين أوضاع الفلاحين.
*الصناعة: - تطبيق سياسة التسيير الذاتي للمؤسسات 1964م. –تطوير التصنيع وإيجاد مناصب الشغل. – تأميم الثروات الطبيعية كالمناجم 06/05/1966م والمحروقات24/02/1971م.- تأميم البنوك واعتماد العملة الوطنية 1963م. – إنشاء صناعة وطنية مثل مركب الحديد و الصلب. –تشجيع الاستثمار. –أتباع سياسة الخوصصة وفقا لقانون 1987م.
*التجارة: - تطوير التجارة وجعلها قطاعا مساهما في التنمية. –التخلص من التبعية المالية. –احتكار التجارة الخارجية وتنوع الأسواق الخارجية.
أ-اقتصاديا:
* المر حلة الأولى ( الانتقالية): - إتباع المنهج الاشتراكي طبقا لتوصيات مؤتمر طرابلس. – تأميم الراضي من المعمرين 1963م – بداية ظهور الشركات الوطنية مثل سونا طراك . –تأميم الصناعات الغذائية.
*المرحلة الثانية: -تطبيق سياسة المخططات التنموية الشاملة مثل المخطط الثلاثي 1-2/1967/1969م و المخطط الرباعي.1970/1974م –مشروع طريق الوحدة الإفريقية و السد الخضر .
المرحلة الثالثة: -ظهور المخططات الخماسية تحت شعارات مختلفة فالأول 1980/1984م من اجل حياة أفضل واهتم بالشؤون الاجتماعية والثاني 1985/1989م تحت شعار العمل و الصرامة لضمان المستقبل.
ب-اجتماعيا و ثقافيا:- العمل على رفع مستوى المعيشة.- الاهتمام بمجال الصحة. –تحقيق الطب المجاني و العناية بمعطوبي ثورة التحرير. –تطبيق سياسة التعليم الإجباري ( المدرسة الأساسية).- الاهتمام بالثقافة وإحياء التراث الوطني.
1-المرحلة الأولى من الاستقلال إلى 1965م:
أ- داخليا:
-تم انتخاب أول أحمد بن بلة أول رئيس للجمهورية الجزائرية المستقلة.-لإصدار دستور 1963م ثم الميثاق الوطني 1964م. – إقرار مبدأ الحزب الواحد والسعي إلى تكريس السيادة الوطنية. –إقامة نظام ديمقراطي مثل مانص عليه بيان أول نوفمبر.
ب-خارجيا:
-انضمام الجزائر رسميا إلى الأمم المتحدة. –فتح مفاوضات مع فرنسا في التخلص من بعض سليبات اتفاقيات ايفيان. –محاولة تأصيل البعد العربي الاسلامي والانضمام إلى الجامعة العربية ومساندة القضية الفلسطينية.المساهمة في المنظمات الاقليمية و العالمية كمنظمة الوحدة الافريقية. –مساندة الشعوب الحرة في العالم.
2-المرحلة الثانية: 1965-1979م:
أ-داخليا:
*حركة 19 جوان 1965م ونقل سلطات رئاسة الجمهورية إلى مجلس الثورة: أقام الرئيس الراحل هواري بومدين رئيس قيادة مجلس الثورة وقائد الأركان بحركة عسكرية أزاح بها أحمد بن بلة تحت عنوان التصحيح الثوري وتم نقل جميع صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى مجلس الثورة و الحكومة.
- تكريس سياسة الحزب الواحد.- توقيف العمل بدستور 1963م وميثاق 1964م. –تأكيد المبادئ السابقة للثورة.-إرساء إزدواجية السلطة ( الحزب و الجيش). –بناء مؤسسا الدولة كإنشاء المجالس البلدية في 1967م و المجالس الولائية 1969م مع تكريس الاشتراكية.
*العودة إلى النظام الجمهوري:
-بعد إلغاء دستور 1963م تم تأسيس دستور جديد في 19/11/1976م بالعودة إلى النظام الرئاسي الجمهوري. إعادة صياغة مواثيق الدولة مثل الميثاق الوطني 27/06/1976م. –تنظيم انتخابات في 10/12/1976 وتم انتخاب بومدين رئيسا للجمهورية. – إجراء انتخابات المجلس الوطني الشعبي في 1977.- وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين 27/12/1978م وشغور منصب الرئاسة. –حل مجلس الثورة في جانفي 1979م وانتخاب مجلس شادلي بن جديد رئيسا للجمهورية 07/02/1979م.
3-المرحلة الثالثة1979-1989م:
*أحداث أكتوبر 1988م: بعد إعادة انتخاب شادلي بن جديد لعهدة ثانية في1984م تم إجراء استفتاء للمصادقة على الميثاق الوطني في 16/01/1986م وانتخاب المجلس الشعبي الوطني الثالث في 1987م وبعد حدوث الأزمة الاقتصادية الحادة في الجزائر 1986 بسبب انخفاض سعر البترول أدى ذلك إلى ظهور غليان شعبي نتيجة تدهور الوضعية الاجتماعية فكانت أحداث 10 أكتوبر 1988م لتبدأ مرحلة جديدة .
*من الأحادية إلى التعددية السياسية:بعد أحداث أكتوبر تم إصدار دستور جديد والمصادقة عليه في 03/11/1988م نص على إحلال جملة من الإصلاحات السياسية تم بموجبها الانتقال من الحادية الحزبية إلى التعددية السياسية وإنشاء حكومة تعددية برئاسة مولود حمروش.
-نهاية مرحلة الاشتراكية واحتكار الدولة للتجارة الخارجية والتوجه إلى اقتصاد السوق( الليبرالي)وفسح المجال أمام الاستثمارات.
-خارجيا:
-مساندة ودعم الحركات التحررية و المشاركة في الحروب العربية الإسرائيلية 1967-1973م.-عقد مؤتمر عدم الانحياز في 05/09/1973م بالجزائر. –ترأس الجزائر للجمعية العامة للأمم المتحدة الدورة 36 في 1974م وإدراج القضية الفلسطينية.- حل النزاع الإيراني العراقي بوساطة جزائرية 1975م.- حل النزاع الحدودي بين مصر و السودان 1979م.- الدعوة إلى تأسيس نظام إقتصادي عالمي عادل.- مواصلة مساندة ودعم كفاح الشعب الفلسطيني إذا احتضنت عناصر المقاومة الفلسطينية التي خرجت من لبنان واحتضان مؤتمر المجلس الوطني الفلسطيني الذي أعلن قيام الدولة الفلسطينية وكانت الجزائر أول بلد يعترف بها.