العام الثالث من ثورة التّحرير الجزائرية. الولاية 01 المنطقة 05 : أربع أو خمس جنود (سقطوا في ميدان الشّرف) كوّنوا النواة الأولى، لفريق الإنتاج المرئي الجزائري.
البداية
يقال عن السينما المصرية يشبه إلى حد بعيد القول عن السينما الجزائرية, إذا صحت التسمية وصح التماثل, فتاريخها مديد يعود إلى البدايات الأولى للسينما العالمية. فعلا, لقد كانت الجزائر مسرحا للسينماتوغراف منذ نشأته في أواخر القرن التاسع عشر, إذ كلف الأخوان لوميير المصور (فيليكس مسغش) بتصوير مشاهد من الجزائر, فكانت قائمة الأشرطة طويلة تم عرضها سنة 1897, ومنها (الجزائر), (دعوة المؤذن), و(ساحة الحكومة) و(الميناء) وكذلك مشاهد من تلمسان. وتستقطب المناظر الجزائرية الكثير من المخرجين المشهورين في السينما الصامتة أمثال (جاك فيدر) وفيلمه (الأتلنتيد), وكذلك (جان رنوار) مع فيلمه (البلد)(1929). وبعد ذيوع السينما الناطقة في أوروبا يصور كل من (جوليان دوفيفيه) و(كريستيان جاك) فيلمين مهمين هما) غولغوطا ((1934) و(واحد من الكتيبة) (1937) مع الممثل المشهور (فرناندال). وتشهد الجزائر سنة 1937 تصوير فيلم (بي بي الموكو) (لجوليان دوفيفيه) مع (جان غابان), كما صورت بعد الحرب العالمية الثانية العديد من الأفلام الأقل شهرة إلى غاية سنة 1954 وكانت حصيلة هذه المرحلة من الزمن ما يقارب ثمانين فيلما مطولا, تصنف كلها ضمن (السينما الكولونيالية), ولكن هذا لا يمنعنا من اعتبارها ضمنا سينما جزائرية قبلية, فمن غير المعقول أن نمحو كل آثار الماضي الاستعماري, كما أن تلك الأحداث الثقافية والفنية كان لها تأثير غير مباشر على الجزائريين في تلك الحقبة من الزمن, كما يعود الفضل في ظهور أول عمل وثائقي مصور حول حرب التحرير لمخرج فرنسي التحق بصفوف جبهة التحرير الوطني وهو (رونيه فوتي) بفيلمه (الجزائر تحترق). وفي سنة 1957 تتكون خلية للإنتاج السينمائي لخدمة الثورة التحريرية دعائيا, تضم كلا من جمال شاندرلي ومحمد لخضر حامينا وأحمد راشدي. أما الانطلاقة الفعلية للأفلام السينمائية الخيالية المطولة فتعود إلى فترة الاستقلال مع الفيلم التاريخي (الليل يخاف من الشمس) لمصطفى بديع (1965) و(ريح الأوراس) للخضر حامينا (1966) مرورًا بـ(تحيا يا ديدو) لمحمد زينات سنة 1971 و(سقف وعائلة) لرابح لعراجي(1982) وغيرها من الأفلام الجادة. بعدما كانت تحمل بوادر الانتعاش في السبعينيات والثمانينيات, انتابت السينما الجزائرية حالة من التدهور لتصل مع حلول التسعينيات من القرن العشرين إلى وضعية كاسدة من الناحية الميدانية, فصدور أي فيلم جزائري جديد لم يعد يحدث ضجة إعلامية أو فكرية, بل لم يعد يلفت الانتباه, والسبب الأساسي يعود إلى إهمال السوق الداخلية بالإعداد الجيد لقاعات العرض وكذا الجانب الإشهاري الذي يلعب دورا مهما في توجيه فكر وذوق المشاهد. ونندهش كثيرا عندما نعرف أن جل الأفلام الجزائرية الحديثة العهد تعرض أول ما تعرض خارج الجزائر, إما في المهرجانات الدولية أو في قاعات العروض العادية ولايتعرف عليها الجمهور الجزائري إلا بعد مرور مدة غير قصيرة. ظل النقاد والمؤرخون الجزائريون ولا يزالون يؤصلون لتاريخ السينما في الجزائر, بداية من اندلاع الثورة التحريرية ثم فترة الاستقلال فقط, وتبدو لهم السينما القبلية مرآة لمجتمع غير جزائري وبالتالي لا علاقة له بالسينما الجزائرية, في حين تعرف نفس السينما هجرة مكثفة لرجالها إلى فرنسا, وحتى إن جاهدوا في إنتاج وإخراج أفلام تصور واقعهم, إلا أن منبعها وفكرها ووسائلها ليست جزائرية, نذكر منها (شاب) لرشيد بوشارب (1990) و(حب ممنوع)لسيد علي فتار(1990) و(مائة بالمائة أرابيكا) لمحمود زموري (1997) و(زوزو) لمرزاق علواش (2003) وكذلك (باب الواب) للمخرج نفسه (2005).
بعد الاستقلال
لقد مرت السينما الجزائرية بعد الاستقلال بمرحلتين مهمتين من حيث التطور الأيديولوجي لأصحابها, فقد كانت المرحلة الأولى تأسيسية لهذا النوع من الفنون, وكان السينمائيون يتخبطون في إشكالية تحديد هويتهم بالنسبة للآخر الذي يمثله الغرب, وفي المرحلة الثانية وبالتحديد في الثمانينيات من القرن العشرين, تحدث القطيعة بين السينمائي وهويته نتيجة للانتكاسات, التي ما فتئت تنخر أمجاد الأمة في عصرها الحديث, وتحدث الردة ويتحول السينمائي من حامل لآمال وآلام مجتمعه إلى سينمائي فقط, وتغدو بذلك الصناعة الفيلمية الهدف الأسمى لكل عامل في هذا الحقل من الفنون, إلى درجة الاستسلام للطموحات الفردية بمعزل عن سيرورة الواقع والتاريخ. ولكيلا نحيد عن النقد الفني الموضوعي نقول إن المجال السينمائي يحكمه المقياس الفني قبل كل شيء, فلا يجوز التأريخ للفن السابع بمنظار سياسي محض بعيدا عن منطق الفنون. ولهذا نؤكد على تنوع الأنماط السينمائية في الجزائر, فمن الناحية التاريخية يمكن أن نقسمها إلى سينما ما قبل الاستقلال وإلى ما بعده. إن الفضاء الجغرافي هو العامل المشترك بين القسمين, فالسينما القبلية هي سينما المستعمر, بطلها مغامر أوربي وقائد عسكري فرنسي, أما السكان الأصليون فلا يظهرون إلا في صور مشوهة لا تعكس الحقائق الواقعية, وكان على الجزائريين انتظار الاستقلال السياسي كي يصبحوا موضوعا حقيقيا للقصص السينمائية, وهذا الغياب عرفه الأدب قبل السينما, وصدرت صرخات مدوية من الروائيين الجزائريين في العهد الاستعماري, بالرغم من اتخاذهم اللغة الفرنسية وسيلة لكتابتهم, حيث لفتوا الانتباه إلى أوضاع الشعب الجزائري, والأهم من ذلك الالتفات إلى العنصر العربي المسلوب الحقوق, والذي يعيش على هامش الحياة, وتحويله إلى بطل أي إثبات ذاته المستقلة عن المستعمر. ويتجسد ذلك بخاصة في روايات الكاتب محمد ديب ومنها (الدار الكبيرة) و(الحريق) ثم (النول), التي لم يتعرف عليها المشاهد إلا من خلال مسلسل (الحريق) للمخرج مصطفى بديع سنة 1974. وكذلك روايات مولود فرعون ومنها (ابن الفقير) (والدروب الصاعدة), وكانت رواية مولود معمري الأفيون والعصا الأكثر حظا. ويمكن تحديد مرحلة الستينيات كميلاد فعلي لسينما ما بعد الاستقلال, وهي تضم الإنتاج الخاص والعام, وكذلك سينما المهجر ثم الإنتاج المشترك الذي برز بأْعمال عالمية منها (معركة الجزائر) للمخرج الإيطالي جيلو بنتكرفو سنة 1966 و(الغريب) للوكينو فشكنتي سنة 1968 وكذلك (زاد) لكوستا جافراس 1968, ونعثر في هذا النوع على فيلم طريف لمغامرات الوسترن السباجيتي (ثلاثة مسدسات ضد سيزار) للمخرج الإيطالي إينزو بيري, بمعية المخرج موسى حداد سنة 1967.
واقع السينما في الجزائر
إن الأفلام الجزائرية بالرغم من قلتها استطاعت أن توجد لها مكانة في المحافل السينمائية الدولية وأشهرها (وقائع سنين الجمر) للخضر حامينا الذي نال السعفة الذهبية بمهرجان كان بفرنسا (1975), وبالرغم من ذلك ظلت هذه الأفلام بعيدة عن المشاهد الجزائري الذي وجدت من أجله وفي بعض الأحيان كان المشاهد نفسه بعيدا عنها. ومع مرور الزمن ازداد السينمائي بعدا عن المشاهد فازداد بدوره بعدا عنه. ففي ذروة السينما الجزائرية كان مسيروها يشتكون من إعراض المشاهد عن الأعمال المسماة (وطنية) فهذا محمد بوعماري (1972) يتساءل كيف يقبل المشاهد على أفلام أوربية مثل (جرعة حب حقيقية) للويجي كومنشيني و(مشاهد من الحياة الزوجية) لإنجمار برجمان, في حين لا يجد الإقبال نفسه على فيلمه (الفحام) (1972) بالرغم من محاولته الجادة في البحث عن جمالية للأعمال السينمائية. والموقف ذاته يدلي به المخرج الكبير(لخضر حامينا), إذ يرى أن الإنتاج الجزائري لا يلقى الإقبال اللائق عند الجمهور. ويستثنى من هذه الأعمال بعض الأفلام التجارية المشهورة, نذكر منها(معركة الجزائر) (1965) و(الأفيون والعصا) لأحمد راشدي (1970), وكلاهما يعرض أحداث الثورة الجزائرية, وقد لقيا استجابة تامة لدى الجمهور فكانت نسبة مشاهدة الفيلم الأخير عالية جدا, واستحوذ الفيلم الكوميدي على اهتمام الجمهور بداية من فيلم (حسن الطيرو) للخضر حامينا (1968) و(عطلة المفتش الطاهر) لموسى حداد (1972) و(عمر قتلاتو) لمرزاق علواش (1976), وكذلك (هروب حسن الطير) لمصطفى بديع (1976) و(حسن نية) لجوثى بن ددوش وأيضا (التاكسي المخفي) لابن عمر بختي (1989).
الأزمة المحدثة
إن الأزمة المحدثة في الإنتاج والتوزيع السينمائي أثرت سلبا على اهتمام المشاهد, فما كان له من سبيل إلا البحث عن أنماط سينمائية بديلة, فبعد ما كانت السينما الإيطالية بأفلام الوسترن (وكذلك السينما الفرنسية والهندية), مسيطرة على قاعات السينما في السبعينيات تحولت الأنظار إلى السينما الأمريكية على مختلف مشاربها, ومع انتشار القنوات التلفزيونية للأفلام وظهور أنظمة الفيديو و(دي في دي) و(الفي سي دي) أصبح المشاهد أكثر حرية واستقلالا في الاختيار والترفيه. إن هذا التحول العميق في ذوق المشاهد, لم يلفت اهتمام العاملين في حقل السينما, بل كان هدفهم الوحيد عرض الإنتاج في المحافل الدولية للتعريف بالمخرج أو الممثلين مع الإصرار على عدم وجود المشاهد, ففي الدورة التاسعة عشرة لمهرجان السينما الإفريقية بواقادوقو (مارس 2005) يتوج الممثل سيد علي كويرات بجائزة أحسن ممثل لدوره في فيلم (المشكوك فيهم) لكمال دهان, وهي قصة مقتبسة من رواية للأديب طاهر جاووت, بينما يتميز فيلم (المنارة) لبلقاسم حجاج بجانبه التقني فيحصل على جائزة أحسن صوت. على أن الأفلام الجزائرية حافلة بجوائز المهرجانات الدولية المختلفة, بيد أنها تفتقر لتشريف المشاهد الجزائري, حيث صادر السينمائيون رأيه فهو في النهاية الذي يتابع ويقيم ويحكم, وهو بالتالي يحدد مدى فاعلية الإبداع السينمائي وقدرته على التأثير والإمتاع. ولكيلا يبقى المشاهد يعيش في خيال ووهم السينما الغربية يجب أن ننمي فيه الذوق الفني كي يتمكن من التمييز بين الأعمال الإبداعية ويكون له بذلك مواقف خاصة وردود أفعال محددة نحو كل عمل سينمائي يصدر في حينه, ولهذا مازلنا نتساءل: عن موقف المشاهد من أفلام مهمة مثل (القلعة) لمحمد شويخ (1992) و(جبل باية) لعز الدين مدور (1997) و(ريح النسيان) لبلقاسم حجاج (2003) و(رشيدة) ليمينة شويخ (2003). كي يصل الإنتاج السينمائي إلى المشاهد يمر عبر مسار معقد يبدأ بالإنتاج, ويمر بالتصوير ثم التركيب ليصل إلى التوزيع, لذا نتساءل هل يكفي الكلام عن إحياء السينما دون تخطيط حقيقي وفعلي لقطاعات الإنتاج والتوزيع