(الحق يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال"14")
وسبحانه قد دعانا إلى أن تؤمن بإلهله دعوة واحد وهي دعوة حق، والذين من دونه يدعون لإله غير حق. والضمير هنا قد يعود إلى الله فكأن الله قد دعا خلقه إلى كلمة الحق وهي "لا إله إلا الله"، وهو سبحانه قد شهد بأنه لا إله إلا هو؛ وشهدت الملائكة شهادة المشهد، وشهد بها أولو العلم شهادة الاستدلال؛ تلك هي دعوة الحق.
أو "له" أي: للإنسان الذي يدعو إلى الحق، وحين يدعو الإنسان فهذا يدل على أن أمراً قد خرج عن نطاق أسبابه؛ لذلك يدعو من يعينه على هذا الأمر.
والدعاء لون من الطلب، إلا أن الطلب يختلف باختلاف الطالب والمطلوب منه؛ فإن كان الطالب أدنى من المطلوب منه لا يقال له فعل أمر؛ كقولك "اغفر لي يا رب" والذين يدعون من دونه لاوهذا لا يقال له فعل أمر؛ بل يقال له دعاء.
وهكذا نرى أنه إن كان فعل الأمر من الأدنى للأعلى؛ لا نسميه فعل أمر بل نسميه دعاءً، والطالب الذكي هو من يلحظ أثناء الإعراب إن كان المطلوب هو من الأدنى إلى الأعلى؛ فهو لا يقول "فعل أمر" بل يقول "فعل دعاء" مثل قول العبد لله: يا رب اغفر لي، وإن كان المطلوب من مساو؛ فهو يقول "التماس". وإن كان المطلوب قد صدر من الأعلى للأدنى فهو "فعل أمر".
وحين يدعو الإنسان ربه؛ فهذا يعني أن أسباب العبد قد نفدت؛ وهو يلجأ إلى من يعلو الكون ويملك كل الأسباب، ولذلك فكل منا يدعو الله؛ لأنه سبحانه القادر على إنفاذ مطلوب العباد؛ ولا يعجزه شيء.
ولكن إن دعوت من لا يستطيع؛ فهو دعوة لا تنفع العبد، وهم كانوا يدعون الأصنام؛ والأصنام لا تضر ولا تنفع؛ فالصنم من هؤلاء لا يقدر على نفسه أو لنفسه؛ فقد كان من الحجر. وبطبيعة الحال فالدعاء لمثل تلك الأصنام لا تحقق شيئاً؛ لأنها لا تقدر على أي شيء.
وهكذا يتأكد لنا أن دعوة الحق هي أن تدعو القادر؛ أما الذين يدعون المعبودات الباطلة فإنها تخيب من يدعوها في مقصده، ولذلك يقول الحق سبحانه هنا:
{له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيءٍ .. "14"}
(سورة الرعد)
لأنهم لا يملكون شيئاً فالصنم من هؤلاء لا يسمع فكيف يستجيب؟ ثم يضرب الحق سبحانه المثل بشيء محس؛ نفعله كلنا؛ فيقول:
{لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه .. "14"}
(سورة الرعد)
فالعطشان ما أن يرى ماءً حتى يمد يده إليه ليغترف منه؛ لكن يده لا تصل إلى الماء؛ هذا هو الحال من يدعو غير الله؛ فقد سأل غير القادر على إنفاذ مطلبه، وهكذا يكون دعاء غير الله؛ وهو دعاء في ضلال وفي غير متاهة. ويقول سبحانه من بعد ذلك