دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجى بثوب فكشف عنه الثوب وقال: "بأبي أنت وأمي، طبت حياً وطبت ميتاً، وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء من النبوة، فعظمت عن الصفة وجللت عن البكاء، وخصصت حتى صرت مسلاة وعممت حتى صرنا فيك سواء، ولولا أن موتك كان اختياراً منك لجدنا لموتك بالنفوس، ولولا أنك نهيت عن البكاء لأنفذنا عليك ماء الشوق، فأما ما لا نستطيع نفيه عنا فكمد وأدناف يتخالفان ولا يبرحان، اللهم فأبلغه عنا السلام، اذكرنا يا محمد عند ربك، ولنكن من بالك، فلولا ما خلفت من السكينة لم نقم لما خلفت من الوحشة، اللهم أبلغ نبيك عنا واحفظه فينا" ثم خرج إلى الناس وهم في شديد غمراتهم وعظيم سكراتهم فخطب خطبة قال فيها: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وأشهد أن الكتاب كما نزل، وأن الدين كما شرع، وأن الحديث كما حدث، وأن القول كما قال، وأن الله هو الحق المبين" ثم قال: "أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وإن الله تقدم إليكم في أمره فلا تدعوه جزعاً وإن الله قد اختار لنبيه ما عنده على ما عندكم وقبضه إلى ثوابه وخلف فيكم كتابه وسنة نبيه فمن أخذ بهما عرف، ومن فرق بينهما أنكر، (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط) ولا يشغلنكم الشيطان بموت نبيكم ولا يفتنكم عن نبيكم فعاجلوه بالذي تعجزونه ولا تستنظروه فيلحق بكم".
رضي الله عن أبي بكر الصديق، وسلام عليه في عليين.