الانسان لا يحب ان يتألم.. والانسان السوي لا يحب ان يؤلم احدا.. فالألم شئ فظيع لاشك, وكلما زادت جرعته زادت فظاعته.. سواء كان ألما نفسيا أو ألما جسديا.. فكلاهما فظيع..
وقد كنت منذ سنوات عديدة, وقت ان كنت احضر لرسالة الدكتوراة في وجوب منع الأسلحة التي تسمي مفرطة الضرر أي التي تسبب آلاما لا تحتمل لمن يصاب بها.. كالأسلحة الحارقة ومنها النابالم.. كنت أتناقش مع خبير بريطاني كان يعمل بهيئة الصحة العالمية في جنيف, حول مدي الألم الذي يمكن ان تتسبب فيه بعض الاسلحة ليتعين تحريمها.. فقال ضاحكا اننا للأسف لا نستطيع قياس الالم!!.
(وقد قرأت مؤخرا انهم توصلوا الي جهاز يمكن به قياس الألم.. وهو الآن في مرحلة التجريب والاختبار) نعود الي اصل الموضوع ونترك تفريعاته.. فأقول إننا برغم كراهيتنا للألم بل وخشيتنا منه, فإن له وظائف جد مفيدة!! او علي وجه التحديد فإن له دورا أو أدوارا يؤديها في حياتنا وما بعد حياتنا الأولي هذه.. أي في آخرتنا..
وأبدأ بالقول بأننا جربنا آلام الحريق, مهما تكن الإصابة طفيفة أو سطحية.. فكيف يكون الألم لو لم تكن الإصابة طفيفة أو سطحية؟؟ مما يوصف بأنه حريق من الدرجة الرابعة.. لابد أن الألم لا يوصف.. فماذا لو وضع الانسان بأكمله.. من قمة رأسه إلي إخمص قدميه في النار؟! وماذا لو كانت هذه النار هي النار الكبري.. أي نار جهنم؟! شئ لا يمكن وصفه.. فتصور الآلام التي تسببها هذه النار لإنسان يوضع فيها, هي ما يخوفنا الله منه بحق, حتي نعمل صالحا في دنيانا, فنتجنب عذابا لا شبيه له في شدته لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون( الزمر16) أرأيتم ان تصور آلام الحريق في النار تدفعنا لبذل أقصي ما نستطيع لكي نفر من هذا العذاب الذي ينتظر العصاة؟! فالألم هنا يدفعنا الي العمل حتي يدخلنا الله في رحمته.. فالعمل مطلوب ولكننا لا ندخل به الجنة.. ولكن الله يتغمدنا برحمته فيجبر القصور ويتجاوز عن التقصير ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا( البقرة286).. وفي ذلك قال احد الصالحين مخاطبا العمل بك لا نصل ولا بد منك!! اي ان العمل لابد منه وان كان وحده لا يدخلنا الجنة.. وفي ذلك يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم لن يدخل أحد الجنة بعمله
والانسان يتألم ف
ي الدنيا حين يري أو يسمع عن عائلة لا تكاد تجد قوتها الضروري.. فيسرع الي تقديم العون لها, في صورة نقدية أو عينية او كليهما.. فالألم هنا كان دافعا لتقديم الخير للناس, وهو يرتد علينا خيرا.. والألم يغير نظرة الانسان للحياة.. فحين يصاب الشخص بإصابة شديدة أو يمرض ويعتصره الألم.. برغم المسكنات.. فإنه يضطر الي اعادة حساباته وتغيير اولوياته, اذ يري الدنيا علي حقيقتها.. ويري نفسه كأي انسان آخر.. يجري عليه ما يجري علي الناس.. حين يحدث هذا فإنه قد يهجر الكبر والغرور والخيلاء.. ويتعامل مع الآخرين بالرحمة وليس بالغلظة والقسوة والعنجهية..
الإنسان الذي يمر بمحنة.. حين يفقد شخصا غاليا عليه, أو يري شخصا غاليا عليه يتألم بسبب المرض.. او يفقد مالا عينيا, كعقار نشب فيه حريق اتي عليه, او ضياع مبلغ نقدي نتيجة للسرقة او عملية نصب.. الانسان الذي يمر بمحنة من هذا القبيل( أو من اي قبيل آخر) ان كان انسانا سويا خرج من المحنة اصلب عودا واقوي شكيمة.. ذلك ان فعل المحن بالنسبة للأسوياء من الناس كفعل النار بالنسبة للحديد.. تصهره فيصبح فولاذا.. اما ان لم يكن انسانا سوي الطبع.. مؤمنا بالله ايمانا مكينا.. فإنه قد يصاب بالهوس(!) او يتزلزل ايمانه, وتعصف به المحنة فيصبح حطاما.. فالمحن بالنسبة للمؤمن الراسخ إيمانه تكون نعمة لا نقمة فعسي أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا( النساء19)..
ولكن هل يكون الخير ايضا في حالة فقد انسان غال علينا؟! اقول نعم.. اذا اعتبرنا ان الدنيا ممر للآخرة.. وأن حزننا علي الغالين وصبرنا علي فراقهم, يكون خيرا لنا ولهم.. فالله قد يرحمهم بنا او يرحمنا بهم.. فيرفعهم الينا او يرفعنا اليهم في الجنة, فنعم بصحبتهم حيث لا فراق..
الآلام ان مرت بساحتنا لأي سبب تزيد المؤمن إيمانا وتسليما, لأن المؤمن يثق في وعد الله بأن الشدة يعقبها الفرج وأن العسر سيأتي معه اليسر, فإن مع العسر يسرا.. إن مع العسر يسرا( الشرح5 ـ6)..
الآلام ليست شرا كلها.. وإنما قد يأتينا الخير من ثناياها.. ومهما كرهناها وأشفقنا منها.. فقد تكون هي المخلص لنا من غرور الدنيا.. وقد تجعلنا أكثر صلابة وقدرة علي مواجهة صروف الدهر بثبات.. وقد تنقي نفوسنا من أدرانها.. ...
lkr;;;;;;;;;;;;;;;g