كَيْفَ نُعَظِّمُ المسَاجِدَ

كَيْفَ نُعَظِّمُ المسَاجِدَ (3):

أُلْقِيَتْ يوم الجمعة27شوال1430هـ الموافق لـ:16أكتوبر2009م.

كتبه سمير سمراد ( إمام خطيب بالجزائر )

نُكْمِلُ -بإذْنِ الله تعالى- ما تَبَقَّى مَعَنَا مِنَ
التَّذْكِيرِ بآداب المسجد، وما ينبغي له مِنَ الحُرْمَةِ، فأقولُ -وبالله
التوفيق-:

ـ مِنْ حُرْمَةِ المسجد: أن يَأْتِيَهُ المسلمُ! وعَلَيْهِ السَّكِينَةُ والوَقَارُ، ولا يَأْتِيهِ سَاعِيًا، أي يَجْرِي أو يركض أو يَشْتَدُّ في مَشْيِهِ، وإنَّمَا يأتيه: يمشي مِشْيَةً مُطْمَئِنَّةً.

عن أبي هريرة (رضي الله عنه) ، أنَّ رسولَ الله (صلى
الله عليه وسلم) قال :"إذا أقيمت الصلاة فلا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ
تَسْعَوْنَ، وأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ، وعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ،
فما أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، ومَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا" . [رواه البخاري
ومسلم].

وعن أبي بكرة (رضي الله عنه) ، قال: "انْطَلَقْتُ
أَسْعَى" ، حتى :"جئتُ ورسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) راكعٌ، وقَدْ
حَفَزَنِي النَّفَسُ فركعْتُ دُونَ الصَّفِّ" ، ثم مشى إلى الصف، يُرِيدُ
أَنْ يُدْرِكَ الركعةَ مع رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم) ، "فسمع
النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) نَعْلَ أبي بكرة وهو يحضر (أي يَعْدُو)
يُرِيدُ أَنْ يُدْرِكَ الركعة، فلمَّا انصرف النبيُّ (صلى الله عليه وسلم)
[أي: سلَّم من الصلاة] قال:"مَنِ الساعي؟". قال أبو بكرة: أنا. قال: "زَادَكَ اللهُ حِرْصًا، وَلاَ تَعُدْ" ، أي: لا تَعُدْ إلى الجَرْيِ والرَّكْضِ لإدراك الركعة والصلاة!. ( [1]) .

ـ ومَنْ أتى المسجد، وخرج قاصدًا إليه، فلا يُشَبِّكْ بَيْنَ أصابعه:

عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسولُ
الله (صلى الله عليه وسلم) :"إذا توضأ أحدكم في بيته، ثم أتى المسجد، كان
في الصلاة حتى يرجع، فلا يَقُلْ هكذا-وشَبَّكَ بين أصابعه-" ( [2]) .

وعن كعب بن عُجْرَةَ (رضي الله عنه) قال: سمعتُ رسولَ
الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامدًا إلى
الصلاة، فلا يُشَبِّكْ بين يديه، فإنه في صلاة" ( [3]) .

وفي روايةٍ، قال كعب بن عُجْرَةَ: "دخل عَلَيَّ رسولُ
الله (صلى الله عليه وسلم) في المسجد، وقد شَبَّكْتُ بين أصابعي، فقال: يا
كعب! إذا كُنْتَ في المسجد فلا تُشَبِّكَنَّ بين أصابعك، فأَنْتَ في صلاةٍ
ما انتظرت الصلاة".

وممَّا يُنَافِي حُرْمَةَ المسجد، وهو أشدُّ مِنْ تَشْبِيكِ الأصابع: فَرْقَعَتُهَا
، فَكَمْ رَأَيْنَا مِنْ أُنَاسٍ يُفَرْقِعُونَ أصابعهم والمؤذنُ يقيم!،
بل والإمام يُسَوِّي الصفوف والناسُ قيامٌ مُتَأَهِّبُونَ للشروع في
الصلاة!!، بل منهم مَنْ بَلَغَتْ بِهِ الغفلةُ إلى أن يُفَرْقِعَ
أصابِعَهُ وهو داخلٌ في الصلاة!!!، وما دَرَى المسكينُ! أنَّهُ بهذا
العَبَثِ! يُبْطِلُ صَلاَتَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُ! فلا يصلُحُ من
المصلي أن يَعْبَثَ بأصابعه أو بشيءٍ من جسده وهو في الصلاة.

ـ مِنْ حُرْمَةِ المسجد: أنه مَنْ سمع الأَذَانَ
وهو فيه، لم يكُنْ لَهُ لِيَخْرُجَ مِنْهُ حتى يُصَلِّي، إلاَّ مِنْ
عُذْرٍ أو لحاجةٍ:

عن أبي الشعثاء، قال: كنَّا قُعُودًا في المسجد مع أبي
هريرة، فأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ، فقام رجلٌ من المسجد يمشي، فأَتْبَعَهُ أبو
هريرة بَصَرَهُ حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أمَّا هذا فقد عصى
أبَا القاسم (صلى الله عليه وسلم) ( [4]) .

وعن عثمان (رضي الله عنه) قال: قال رسولُ الله (صلى الله
عليه وسلم) :"مَنْ أَدْرَكَهُ الأَذَانُ في المسجد ثم خرج لم يخرُجْ
لحَاجَةٍ، وهُوَ لاَ يُرِيدُ الرَّجْعَةَ، فهو منافق" ( [5])
، أي: فعلُهُ فعلُ المنافق، إذِ المؤمنُ حَقًّا ليس مِنْ شَأْنِهِ ذلك.
والمقصودُ: أنه: (إذا أُذِّنَ وَأَنْتَ فِي المَسْجِدِ فَلاَ تَخْرُجْ) ( [6]) إلاَّ لحَاجَةٍ

اللهمَّ فَقِّهْنَا في دينِكَ، وعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا...

الخطبة الثانية:

(وممَّا تُصَانُ عنه المساجد وتُنَزَّهُ عنه الروائح الكريهة...وذلك مِنْ تَعْظِيمِهَا) ( [7])

وقد صحَّ مِنْ حديث ابن عمر (رضي الله عنهما) ، أن رسول
الله (صلى الله عليه وسلم) قال في غزوة تبوك :"من أكل من هذه الشجرة-يعني
الثوم- فلا يَأْتِيَنَّ المساجد".

وعن جابر (رضي الله عنهما) أن النبيَّ (صلى الله عليه
وسلم) قال: "من أكل ثومًا أو بصلا، فَلْيَعْتَزِلْنَا-أو قال-
فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنا، وَلْيَقْعُدْ في بيته...". [رواه البخاري
ومسلم].

وفي حديثِ جابر (رضي الله عنهما) –أيضًا- عن النبيِّ
(صلى الله عليه وسلم) قال: "من أكل من البصل والثوم والكُراث فلا
يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فإن الملائكة تَتَأَذَّى ممَّا يَتَأَذَّى
مِنْهُ بَنُو آدم" . [رواه مسلم].

وقال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في خطبته: ثم
إنَّكُمْ أيها الناس تأكلون شجرتين ولا أَرَاهُمَا إلاَّ خبيثتين: هذا
البصلَ والثومَ، لقد رأيتُ رسولَ الله إذا وَجَدَ ريحهُمَا مِنْ رَجُلٍ
في المسجد أَمَرَ به فَأُخْرِجَ إلى البقيع، فمن أكلهما فليُمِتْهُمَا
طَبْخًا. [خرَّجَهُ مسلمٌ].

نعم! لقد أُخْرِجَ رجالٌ، أُخْرِجَ رجالٌ من المسجد،
ومُنِعُوا مِنْهُ، لا لِشَيْءٍ إلاَّ لأنَّهُمْ قد أكلوا من البصل والثوم،
فانْبَعَثَتْ منهم روائحُ مُؤْذِيَة!، وقد أَلْحَقَ العلماءُ بهم:

مَنْ كان ذَا رائحةٍ قبيحةٍ لا تُفَارِقُهُ لسوء صناعته ( [8]) ، كالحداد ونافخ الكير، الذي ينفخ في النار، ليلين الحديد، فهذا يبعد عن المسجد، ويمنع منه، فلا يشهدُ مع الناس الصلاةَ!

تأمَّلُوا! -بارك الله فيكم- فتوى العلماء هذه، وهي مبنيةٌ أَسَاسًا على حُكْمِ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ،

تأمَّلُوا! فيمن أَكَلَ الثوم والبصل وهما من الحلال المباح!،

وتأمَّلُوا! فيمن كانت رائحتُهُ قبيحةً بسبب الصنعة التي يَمْتَهِنُهَا وهي الحِدَادَة، وهي سَعْيٌ حلالٌ مباحٌ!،

فما بالكم: مَنْ تُلاَزِمُهُ الروائح القبيحة بسبب
إدمانه على تناول (الدخان)!، وهو خبيثٌ مُحَرَّمٌ، قال تعالى: ﴿وَيُحِلُّ
لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾
[الأعراف:157]،

هذا و (الثوم والبصل لا ضَرَرَ في أكلهما، بل فيهما
فوائد كثيرة، وشرب الدخان ضرَرُهُ كثيرٌ ولا نَفْعَ فيه، نسأل الله
العافية) ( [9]) لنا ولمن ابتلاهم الله – تعالى- بالدخان!

فيا أيُّها المسلم !، يا مَنْ تُعَظِّمُ اللهَ
تعالى....يا مَنْ تُعَظِّمُ المساجدَ!...فَارِقْ الدُّخَانَ...فَارِقْهُ
لله!...فَارِقْهُ...تَعْظِيمًا للمسجد!..فإنك مأمورٌ بأن تَشْهَدَ
الجماعةَ في المسجد، ومأمورٌ بأن تَكُفَّ أذاك عن إخوانك المؤمنين، فكيفَ
والحالُ: أنك تُؤْذِيهم وتُؤْذِي الملائكةَ بالرائحة الكريهة التي
تُلاَزِمُكَ ما دُمْتَ تَتَنَاوَلُ هذه المادةَ الخبيثة!

ما كان لمِثْلِ هذا الرجلِ: أن يكونَ جَلِيسَ المسجد...

ما كان لِمِثْلِ هذا الرجلِ: أن يكونَ جليسَ الملائكة...

ما كان لمِثْلِ هذا الرجل: أن يكونَ جليس الربِّ تبارك
وتعالى، وقد ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ عن بعض السَّلَف قولَهُ: "من جلس في
المسجد فإنَّمَا يُجالسُ رَبَّهُ"!

وما أَشْبَهَ هذا المدخِّنَ! بجليسِ السوء الذي ضرب
النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) المَثَلَ بِهِ؛ قال (صلى الله عليه وسلم) :
"إنما مَثَلُ الجليس الصالح والجليس السوء، كحاملِ المِسْكِ ونافِخِ
الكِيرِ، فحاملُ المِسْكِ إمَّا أَنْ يُحْذِيَك َ [أي: يُعْطِيكَ]،
وإمَّا أن تَبْتَاعَ منه [أي: تشتري]، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا
طَيِّبَةً، ونافخُ الكِيرِ إمَّا أن يَحْرِقَ ثيابك، وإمَّا أن تجد ريحًا
خَبِيثَةً" . [رواه البخاري ومسلم].

والمدخن إما أن يحرق ثيابك بسيجارته!، أو تجد منه رائحة الدخان الخبيثة ( [10]) .

نسألُ اللهَ -تبارك وتعالى- أن يُعاَفِيَ إخوانَنَا (المدخِّنِين)، وأن يوفقنا جميعًا لما يحبه ويرضاه...

[1] - "الصحيحة"(رقم:230).

[2] - "صحيح الترهيب"(رقم:293).

[3] - "صحيح الترهيب"(رقم:294).

[4] - "صحيح سنن ابن ماجة"(رقم:605).

[5] - "صحيح الترهيب"(رقم:263).

[6] - من تبويبات ابن ماجة في "سننه".

[7] - "جامع القرطبي"(12/267).

[8] - "جامع القرطبي" .

[9] - مِنْ تعليقةٍ للشيخ محمد منير الدمشقي، نَقَلَهَا الشيخُ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب".

[10] - تُرَاجَعُ: رسالةُ الشيخ محمد بن جميل زينو: "حكم الدخان والتدخين على ضوء الطب والدين".