وهم قبيلة مشهورة، يقال لهم: ثمود، باسم جدهم ثمود أخي جديس، وهما أبنا عاثر بن إرم بن سام بن نوح. وكانوا عرباً من العاربة يسكنون الحجر الذين بين الحجاز وتبوك. وقد مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلي تبوك بمن معه من المسلمين كما سيأتي بيانه، وكانوا بعد قوم عاد، وكانوا يعبدون الأصنام كأولئك.
فبعث الله فيهم رجلاً منهم، وهو عبد الله ورسوله، صالح بن عبيد بن ماشخ بن عبيد بن حاجر بن ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح، فدعاهم إلي عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يخلعوا الأصنام والأنداد ولا يشركوا به شيئاً، فآمنت به طائفة منهم، وكفر جمهورهم، ونالوا منه بالمقال والفعال، وهموا بقتله، وقتلوا الناقة التي جعلها الله حجة عليهم. فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
والمقصود الآن ذكر قصتهم وما كان من أمرهم، وكيف نجى الله نبيه صالحاً عليه السلام ومن آمن به، وكيف قطع دابر القوم الذين ظلموا بكفرهم وعتوهم، ومخالفة رسولهم عليه السلام. وقد قدمنا أنهم كانوا عرباً، وكانوا بعد عاد ولم يعتبروا بما كان من أمرهم، ولهذا قال لهم نبيهم عليه السلام:
{ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * {وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتاً فَٱذْكُرُوۤاْ آلآءَ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } (سورة الأعراف:73ـ74) .
أي: إنما جعلكم خلفاء من بعدهم لتعتبروا بما كان من أمرهم، وتعملوا بخلاف عملهم. وأباح لكم في هذه الأرض تبنون في سهولها القصور،
{وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ } (سورة الشعراء:149) .
أي: حاذقين في صنعتها وإيقانها وإحكامها، فقابلوا نعمة الله بالشكر والعمل الصالح، والعبادة له وحده لا شريك له، وإياكم ومخالفته والعدول عن طاعته، فإن عاقبة ذلك وخيمة.
ولهذا وعظمهم بقوله:
{أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ } * {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * {وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } (سورة الشعراء:146ـ148) .
أي: متراكم كثير حسن بهي ناضج.
{وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ } * {فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * {وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ } * {ٱلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } (سورة الشعراء:149ـ152) .
وقال لهم أيضاً:
{قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } (سورة هود:61) .
أي: هو الذي خلقكم فأنشأكم من الأرض، وجعلكم عمارها، أي: أعطاكموها بما فيها من الزروع والثمار، فهو الخلق الرازق، فهو الذي يستحق العبادة لا ما سواه (فاستغفروا ثم توبوا إليه) أي: أقلعوا عما أنتم فيه وأقبلوا على عبادته فإنه يقبل منكم ويتجاوز عنكم
{وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } )سورة هود:61( .
{قَالُواْ يٰصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـٰذَا } (سورة هود:62) .
أي: قد كنا نرجو أن يكون عقلك كاملاً قبل أن هذه المقالة، وهي دعوتك إيانا إلي إفراد العبادة، وترك ما كنا نعبده من الأنداد، والعدول عن دين الآباء والأجداد، ولهذا قالوا:
{أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } (سورة هود:62) .
{قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ } (سورة هود:63) .
وهذا تلطف منه لهم في العبارة، ولين الجانب، وحسن تأت في الدعوة لهم إلي الخير، أي: فما ظنكم إن كان الأمر كما أقول لكم وأدعوكم إليه؟ ماذا عذركم عند الله؟ وماذا يخلصكم بين يديه وأنتم تطلبون مني أن أترك دعوتكم إلي طاعته؟ وأنا لا يمكنني هذا لأنه واجب على ولو تركته لما قدر أحد منكم ولا من غيركم أن يجيرني من الله ولا ينصرني، فأنا لا أزال أدعوكم إلي الله وحده لا شريك له، حتى يحكم الله بيني وبينكم.
وقالوا له أيضاً:
{قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } (سورة الشعراء:153) .
أي: من المسحورين، يعنون مسحوراً لا تدري ما تقول في دعوتك إيانا إلي إفراد العبادة لله وحده، وخلع ما سواه من الأنداد، وهذا القول عليه الجمهور، وهو أن المراد بالمسحرين: المسحورين. وقيل: (من المسحرين): أي ممن له سحر ـ وهو الرئى ـ كأنهم يقولون إنما أنت بشر له سحر، والأول أظهر لقولهم بعد هذا:
{مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } (سورة الشعراء:154) .
سألوا منه أن يأتيهم بخارق يدل على صدق ما جاءهم به.
{قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } * {وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } (سورة الشعراء:155ـ156) .
وقال:
{ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (سورة الأعراف:73) .
وقال تعالى:
{وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا } (سورة الإسراء:59) .
وقد ذكر المفسرون أن ثموداً اجتمعوا يوماً في ناديهم، فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم إلي الله، وذكرهم وحذرهم ووعظهم وأمرهم، فقالوا له: إن أنت أخرجت لنا من الصخرة ـ وأشاروا إلي صخرة هناك ـ ناقة، من صفتها كيت وكيت، وذكروا أوصافا سموها ونعتوها وتعنتوا فيها، وأن تكون عشراء طويلة، من صفتها كذا وكذا، فقال لهم النبي صالح عليه السلام، أرأيتم إن أجبتكم إلي ما سألتم على الوجه الذي طلبتم، أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به؟ قالوا: نعم، فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك.
ثم قام إلي مصلاه فصلى لله عز وجل ما قدر له، ثم دعا ربه عز وجل أن يجيبهم إلي ما طلبوا، فأمر الله عز وجل تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة كوماء عشراء، على الوجه الذي طلبوا، وعلى الصفة التي نعتوا.
فلما عاينوها كذلك رأوا أمر عظيماً ومنظراً هائلاً، وقدرة باهرة، ودليلاً قاطعاً، وبرهانا ساطعاً، فآمن كثير منهم، واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم، ولهذا قال: (فظلموا بها) أي: جحدوا بها ولم يتبعوا الحق بسببها، أي: أكثرهم وكان رئيس الذين آمنوا جندع بن عمرو بن محلاة بن لبيد بن جواس، وكان من رؤسائهم، وهم بقية الأشراف بالإسلام، فصدهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد والحباب صاحب أوثانهم، ورباب بن صمعر بن جلمس. ودعا جندع ابن عمه شهاب خليفة، وكان من أشرافهم، فهم بالإسلام فنهاه أولئك، فمال إليهم فقال في ذلك رجل من المسلمين يقال له مهرش بن غنمة بن الذميل رحمه الله:
وكانت عصبة من آل عمرو عزيز ثمود كلهم جميعاً لأصبح صالح فينا عزيزاً ولكن الغواة من آل حجر إلي دين النبي دعوا شهابا فهم بأن يجب ولو أجابا وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا وتولو بعد رشدهم ذئاب